حقيقة نسبة الافعال للعباد

 . حقيقة نسبة الأفعال للعباد : ومن هذا يظهر أن تعلق
القدرة ليس مخصوصاً بحصول المقدور بها . وأفعال العباد نسبتها إليهم على طريق الكسب لا الاختراع لأن الله تعالى هو المخترع لها ، والمقدر لها ، والمريد لها ، ولا يرد أنه كيف يريد ما نهى عنه ، لأن الأمر يغاير   الإرادة بدليل أمره جميع الناس بالإيمان ، ولم يرده من أكثرهم لقوله تعالى :  وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ  ، فنسبة الأفعال إلى العباد من نسبة المسبب    إلى السبب أو الواسطة ، وهذا لا منافاة فيه ، لأن مسبب الأسباب هو الذي      خلق الواسطة وخلق فيها معنى الوساطة ولولا ذلك الذي أودع الله تعالى فيها لم تصلح أن تكون واسطة وسواء كانت مما لم يودع العقل كالجماد والأفلاك والمطر والنار ، أو كانت عاقلة نم ملك أو إنسي أو جني . اختلاف المعنى باختلاف النسبة اللفظية : ولعلك تقول : لا تعقل نسبة الفعل الواحد إلى فاعلين لاستحالة اجتماع  مؤثرين على أثر واحد ، فنقول : نعم ، هو كما قلتم لكن محله إذا لم يكن الفاعل   إلا معنى واحد في الاستعمال . أما إذا كان له معنيان فيكون الاسم مجملاً متردداً بينهما في الاستعمال ،  وحينئذ لا يمتنع إطلاقه على كل منهما كما هو المعلوم من الاستعمال في الأسماء المشتركة أو في الحقيقة والمجاز كما يقال : قتل الأمير فلاناً ، ويقال : قتله السياف ، فإطلاق القتل على الأمير بمعنى غير المعنى الذي أطلق به على السياف ، فقولنا :    إن الله تعالى فاعل بمعنى أنه المخترع الموجد ، وقولنا : إن المخلوق فاعل فمعناه أنه المحل الذي خلق الله تعالى فيه القدرة بعد أن خلق فيه الإرادة بعد أن خلق فيه    العلم ، فارتباط القدرة بالإرادة والحركة بالقدرة ارتباط المعلول بالعلة وارتباط المخترع بالمخترع هذا إذا كان المحل عاقلاً وإلا فهو من ترتيب المسببات على أسبابها ، فصح أن يسمى كل ما له ارتباط بقدرة فاعلاً كيفما كان الارتباط ، كما يسمى السياف قاتلاً باعتبار ، والأمير قاتلاً باعتبار ، لأن القتل ارتبط بكليهما ، وإن كان ارتباطه على وجهين مختلفين ساغ تسمية كل منهما فاعلاً ، فمثل ذلك اعتبار المقدورات بالقدرتين ، والدليل على جواز هذه النسبة وتطابقها نسبة الله تعالى الأفعال إلى الملائكة تارة وتارة إلى غيرهم من العباد ، ومرة أخرى نسبها بعينها إلى نفسه ، فقال تعالى :  قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ  ، وقال تعالى :  اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا  ، وقال تعالى :  أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ  بالإضافة إلينا ، ثم قال تعالى :  أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا       حَبّاً  الآيات ، وقال تعالى :  فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً  ، ثم قال تعالى :  فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا  ، والنافخ جبريل عليه السلام ، وقال تعالى :     فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ  ، والقارئ الذي يسمع النبي قراءته جبريل ، وقال   تعالى :  فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ  ..  وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى  ، فنفى عنهم القتل وأثبته لنفسه ، ونفى عنه الرمي وأثبته لنفسه ، وليس المراد نفي الحس من قتلهم الكفار ورميه لهم عليه السلام بالحصباء ولكن المعنى    أنهم ما قتلوهم ولا رموهم بالمعنى الذي يكون الرب به قتلهم ورماهم وهو الاختراع والتقدير إذ هما معنيان مختلفان ، وتارة ينسب الفعل إليهما معاً كقوله تعالى :وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ. وروت عائشة – رضي الله عنها - : أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق  الجنين يبعث ملكاً فيدخل الرحم فيأخذ النطفة بيده ثم يصورها جسداً ، فيقول :     يا رب ! أذكر أم أنثى ؟ أسوي أم معوج ؟ فيقول تعالى ما شاء ، ويخلق الملك ،    وفي لفظ آخر : فيصور الملك ثم ينفخ فيه الروح بالسعادة أو بالشقاوة . فإذا فهمت هذا اتضح لك أن الفعل يستعمل على وجوه مختلفة ولا تناقض بينهما ، ولذلك الفعل ينسب تارة للجماد كما في قوله تعالى :  تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا  ، فالشجرة لا يتأتى منها الإتيان بثمرها ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم للذي ناوله تمرة : خذها لو لم تأتها لأتتك .. كما في الطبراني وابن حبان ، فإضافة الإتيان تختلف إلى الرجل وإلى التمرة ، فمعنى إتيان التمرة غير معنى إتيان الرجل ، فالإتيان منهما مجازان مختلفان في الاعتبار ، فمجاز إطلاق الإتيان على الرجل بمعنى أن الله خلق فيه القدرة والإرادة للإتيان بها . وإتيان التمرة بمعنى أن الله يسبب من يأتي بها ، والحقيقة إنما هي إضافة الإتيان إلى   الله تعالى في كل منهما ، ولأجل اختلاف الاعتبار في الوسائط تارة تكون ملاحظة الوسائط في الأفعال كفراً كما في جواب قارون لموسى عليه السلام بقوله :  إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي  ، وكما في حديث : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من  قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ، وهذا الكفر باعتبار  أن الواسطة مؤثرة ومخترعة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المستحيل على الله

الواجب لله 20 صفة

5/ صفة القيام بالنفس