تعلقات القدرة


33- فقدرةٌ بُمْمكِنٍ تعلَّقَتْ *** بِلا تَنَاهِيْ ما بِهِ تعلَّقَتْ
فقدرة بممكن تعلقت: القدرة لغةً: عبارة عن الصفة التي بها يتهيأ الفعل للفاعل، وبها يقع الفعل. ولما طوى ذيل مباحث الصفات شرع هنا في نشر مالها من التعلقات. والتعلق: هو طلب الصفة أمراً زائداً على الذات يصلح لها. والذي اعتمده المحققون أن التعلق لصفات المعاني فقط، وبعض المتكلمين قال: التعلق للمعنوية. ولم يقل أحد بهما معاً لئلا يجتمع مؤثرين على أثر واحد، في القدرة والكون قادراً، والإرادة والكون مريداً، وهكذا.
واعلم أن صفات المعاني من حيث التعلق وعدمه، ومن حيث شموله للواجب والجائز والمستحيل أقسام:
فالقدرة تتعلق بالممكنات إيجاداً أو إعداماً، والإرادة تتعلق بالممكنات تخصيصاً لها ببعض ما يجوز عليها، وتعلقها قديم، والعلم يتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات تعلق انكشاف. والكلام يتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات تعلق دلالة. والسمع والبصر والإدراك - على القول به - تتعلق بالموجودات، سواء قديمها وحادثها، لكنه في القديم قديم وفي الحادث حادث. والحياة لا تتعلق بشيء، فهي لا تقتضي أمراً زائداً على قيامها بالذات. ومعرفة هذه التعلقات غير واجبة على المكلف لأنها من غوامض علم الكلام. ولكنها ركن ركين في معرفة الله سبحانه، وفي شهود تجلياته.
فالقدرة لا تتعلق إلا بالممكن فلا تتعلق بواجب ولا بمستحيل بل كل ممكن داخل في متعلقها، إذ لو خرج ممكن عنه لزم منه العجز وهو محال عليه تعالى. والممكن هو ما لا يجب وجوده، ولا عدمه لذاته، ولو وجب وجوده أو عدمه لغيره.
فالذي تعلق علمه تعالى بوجوده من الممكنات، وخصصته إرادته، فهو، وإن كان ممكناً في ذاته، متساوياً وجوده وعدمه - واجب الوجود لغيره، كإيمان أبي بكر الصديق. والذي تعلق علمه تعالى بعدم وجوده من الممكنات، وخصصته الإرادة فهو - وإن كان ممكناً في ذاته - واجب الوجود لغيره، كإيمان أبي جهل. وقد قال سيدي محمد الهاشمي: والحاصل أن الحكم العقلي ينحصر في ثلاثة أقسام:
أولاً - الواجب الذاتي (كوجود الله سبحانه وصفاته) ولا يتفرع عن هذا شيء أي لا يكون جائزاً عرضياً ولا محالاً عرضياً، لما يلزم عليه من قلب الحقائق.
ثانياً - المحال الذاتي: (كاستحالة وجود الشريك لله سبحانه) ولا يتفرع عن هذا شيء، أي لا يكون جائزاً عرضياً ولا واجباً عرضياً، لما يلزم عليه من قلب الحقائق.
ثالثاً - الجائز الذاتي: (كوجود المكونات) ولا يكون الجائز إلا ذاتياً، أي لا يكون جائزاً عرضياً متفرعاً عن الواجب الذاتي، ولا جائزاً عرضياً متفرعاً عن المحال الذاتي، كما سبق وبيناه، وقد يعرض الجائز الذاتي الوجوب (كوجود الجنة والنار) لإخبار الشرع بوقوعه فيسمى الواجب العرضي. أو قد يعرض له الاستحالة (كدخول الكافر الجنة) بإخبار الشرع بعدم وقوعه، ويسمى المستحيل العرضي. والعرضي لا ينافي الإمكان الذاتي، وإنما ينافيه الواجب الذاتي، والمحال الذاتي، لما فيه من قلب الحقائق.
والقدرة تتعلق بما وجب عدم وجوده لغيره تعلقاً صلوحياً قديماً، بمعنى أنها صالحة لإنجازه أزلاً، لا تنجيزياً حادثاً، وإلا لانقلب العلم جهلاً وهو محال، إذ أنه لو تعلقت به القدرة تعلقاً تنجيزياً حادثاً لوجد، ووجوده يناقض ما في العلم من عدم وجوده.
- بلا تناه ما به تعلقت: أي متعلقات القدرة لا تنتهي إلى حد ونهاية في جانب المستقبل، إذ منها نعيم الجنان، وهو متجدد شيئاً فشيئاً، ومنها عذاب النيران وهو أبدي سرمدي. أما ما وجد منها في الخارج فهو متناه، لأن كل ما حصره الوجود من الممكن فهو متناه. وقد فسر قوله (بلا تناه) بأن القدرة لا تنتهي عند طائفة من الممكنات، بأن تتعلق بها دون غيرها بل هي عامة التعلق بجميعها، بحيث لا يشذ عنها ممكن.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الواجب لله 20 صفة

المستحيل على الله