13/الكلام
الصفةُ الثالثةَ عشرةَ: الكلامُ
يجبُ لله تعالى الكلامُ وهو صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ لا يشبهُ كلامَ المخلوقينَ ويُعبرُ عنهُ بالقرءانِ وغيرِهِ من الكتبِ المنزلةِ، وكلامُ المخلوقينَ حادثٌ، فكلامُ الإنسانِ صوتٌ يعتمدُ على مخارجَ ومقاطعَ ومنهُ ما يحصلُ بتصادمِ جسمينِ كصوتِ الحديدِ إذا جُرَّ على الصفا([7]). وليست هذه الكتبُ المنزلةُ عينَ الكلامِ الذاتي بل هي عباراتٌ عنهُ، والدليلُ على ذلكَ من حيثُ العقلُ أنه لو لم يكن متكلمًا لكانَ أبكم، والبَكمُ نقصٌ والنقصُ مستحيلٌ على الله.
وأما دليلُه النقليُّ النصوصُ القرءانيةُ والحديثيةُ من ذلكَ قولُه تعالى: {وَكَلَّمَ الله موسى تكليمًا} أي أسمعَهُ كلامَهُ الأزليَّ الأبديَّ ففهمَ منه موسى ما فهمَ، فتكليمُ الله تعالى أزليٌّ وموسى وسماعهُ لكلامِ الله حادثٌ. فالقرءانُ يرادُ به الكلامُ الذي هو معنى، أي صفةٌ قائمة بذاتِ الله، ويطلق على اللفظِ المنزلِ على سيدنا محمدٍ، قال الله تعالى: {نزل به الرُّوحُ الأمين على قلبك لتكون من المنذرين{، وليسَ الكلام الذي هو معنى قائم بالله المسمى الكلامَ النفسيَّ لكونِهِ قائمًا بذات الله أي بنفسِهِ أي ذاتِهِ. فالقرءانُ بمعنى اللفظِ المنزلِ هو الذي يكتبُ بأشكالِ الحروفِ ويسمَعُ بالآذانِ ويحفظُ في الأذهانِ بالألفاظِ المتخيَّلةِ ويقرأ باللفظِ، أما الكلامُ الذاتيُّ فلا يحلُّ في المصاحف لكنه يُطلقُ على كلا الأمرينِ أنه كلام الله فهو باعتبارِ إطلاقِهِ على الكلامِ النفسيِ حقيقةٌ عقليةٌ شرعيةٌ، أما باعتبارِ إطلاقِهِ على اللفظِ المنزل فهو حقيقةٌ شرعيةٌ لأن اللفظَ المنزلَ ليسَ عينَ الكلامِ الذاتيِ الأزلي الأبديِ، وتقريبُ ذلكَ للفهمِ أنه يصحُّ أن يقالَ تلفظتُ الله أي تلفظتُ بلفظٍ يدُلُّ على ذاتِ الله المقدسِ، ويقال كتبتُ الله أي أشكالَ الحروفِ الدالةِ على الذاتِ القديمِ، ويقال للفظِ الجلالةِ المكتوبِ على لوحٍ ونحوِهِ هذا الله، ويقالُ قرأ فلانٌ قراءة حسنةً صحيحةً ويقالُ قرأ فلانٌ قراءةً غيرَ صحيحةٍ، فلا يصحُّ أن يكونَ قولُ القائلِ تلفظتُ الله وكتبتُ الله أن يكونَ على الحقيقةِ العقليةِ لأن الله تعالى لا يَحلُّ بألسِنتنا وكذلكَ كلامهُ الذي هو ذاتيٌّ لا يَحُلُّ بألسنتنا، إنما العبارةُ هي التي تحلُّ بألسنتنا، فإن قيلَ إذا لم يكن اللفظُ المنزلُ عينَ كلامِ الله الذاتيّ فكيفَ كانَ نُزُولُهُ على سيدِنا محمدٍ؟
فالجوابُ: ما قالَهُ بعضُ العلماء إن جبريل وجَدهُ مكتوبًا في اللوحِ المحفوظِ فأنزلَهُ بأمرِ الله له على سيدنا محمدٍ قراءةً عليهِ لا مكتوبًا في صحفٍ ويدلُ لذلكَ قولُهُ تعالى: {إنه لقولُ رسول كريم} أي مقروء جبريل، فلو كان هذا اللفظُ المنزلُ عين كلامِ الله الذاتي لم يقل الله تعالى: {إنه لقولُ رسول كريم} أي جبريل لأن جبريل هو المراد بالرسولِ الكريمِ. أما المشبهةُ فتقولُ الله يتكلم بالحروفِ كما نحن نتكلم بالباء ثم السين ثم ما يلي ذلك من الحروف في بسم الله الرحمن الرحيم وغيرِ ذلك من ألفاظِ القرءانِ، وفيما قالوه تشبيهٌ لله بخلقِهِ لأنه لو كان يتكلمُ بحروفٍ تخرُجُ من ذاتِ الله تعالى كما تخرُج من ألسنتنا لكانَ مثلَنا ولا يجوزُ أن يكونَ مثلَنا لأنه نفى عن نفسِهِ مشابهةَ غيره لَهُ بقولِه: {ليس كمثله شىء{، فرضي الله عن أئمةِ أهلِ السنةِ حيثُ بيَّنوا الصوابَ من الاعتقادِ الذي لولا بيانُهُم لخفيَ على كثيرٍ من الخلقِ وَلَوَقَعُوا في تجسيم الله تعالى.
واستدلالنا بقولِ الله تعالى: {إنه لقولُ رسولٍ كريم ذي قوةٍ عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} من أوضح الدلائل على صحةِ ما يقولُهُ أهلُ السنةِ المنزهونَ لخالقهم عن شبهِ المخلوقينَ، وإلى هذا ذهبَ الفريقانِ من أهلِ السنةِ الماتريدية والأشعريةُ، فقولُ من قال من أهلِ السنةِ القرءان كلامُ الله تعالى بالحقيقةِ ينزل على التبصيرِ الذي قرَّبوه.
تعليقات