بكلِّ عَبْدٍ حافظونَ وُكِّلُوا
85- بكلِّ عَبْدٍ حافظونَ وُكِّلُوا ***
وكاتِبونَ خِيْرَةٌ لَنْ يُهْمِلوا
بكل عبد حافظون وكلوا: وكل الله تعالى بكل عبد
ملائكة حافظين سوى الملائكة الكاتبين، فهم يحفظونه من المضار، فيلازمونه على كل
حال، بخلاف الكتبة، فإنهم يفارقونه عند ثلاث مواطن، عند قضاء الحاجة، وعند الجماع،
وعند الغسل ولا يمنع ذلك من كتب ما يصدر من العبد في هذه المواطن، إذ يجعل الله
تعالى أمارة على ما بدر منه قولاً كان أو فعلاً أو اعتقاداً وبخلاف ملائكة الرحمة
فإنهم لا يدخلون البيت الذي فيه كلب أو جرس أو صورة. وللجن حافظون كما للإنس، واختلف
في عدد الحافظين ومكانهم، لكنه لما لم يرد نص قاطع في هذا كان الإمساك أولى وحفظهم
للعبد إنما هو من القضاء المعلق أما المبرم فلا بد من إنفاذه، فإنهم يتنحون عنه
حتى ينفذ أمر الله. قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَ
يْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.
يْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.
- وكاتبون خيرة لن يهملوا:
تكلم ثمة عن الحافظين، وهنا يتكلم عن الكاتبين، وهما ملكان كل منهما رقيب وعتيد،
لا يتغيران ما دام حياً فإذا ما مات قاما على قبره يسبحان ويهللان ويكبران ويكتبان
ثوابه إلى يوم القيامة، إن كان مؤمناً، ويلعنانه إن كان كافراً وقيل: هم أربعة،
ملكان في اليوم، وملكان في الليلة، يؤرخون ما يكتبون من أعمال العباد في الزمان
والمكان، وملك الحسنات من ناحية اليمين والسيئات من ناحية اليسار والكتابة حق يكفر
منكرها، ودليلها قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين، كِرَاماً
كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وهي بأدوات لا يعلمها إلا الله تعالى حملاً
للنصوص على ظواهرها خلافاً لمن أول بأن الكتابة كناية عن الحفظ والعلم، والتفويض
في هذا المقام أولى. وقد اعتمد بعضهم أن المباح لا يكتب وهذه الكتابة لا تقع على
حاجة دعت إليها، وإنما فائدتها أن العبد إذا علم بها استحيى وترك المعصية، والله
أعلم. وقد اختلف في مكانهما، والحاصل من الخلاف أنهما لا يلزمان محلاً واحداً.
86- مِنْ أَمْرِهِ شَيْئَاً فَعَلْ ولو ذَهِلْ *** حتى الأنِينَ في
المرَضْ كما نُقِلْ
من أمره شيئاً فعل: أي لم يهمل الملائكة الكاتبون من أمر العبد شيئاً
والأمر يشمل القول وغيره.
-
ولو ذهل: الذهول عن الشيء نسيانه
والغفلة عنه فيكتب ما فعله العبد ناسياً وإن كان لا يؤاخذ به لأنه ليس الغرض من
الكتابة المعاقبة ولا الإثابة كما سلف.
-
حتى الأنين في المرض كما نقل: أي
فيكتبون حتى الأنين الصادر منه في حال المرض، لذا لا ينبغي للمريض أن يقول: أخ،
لأنه اسم من أسماء الشيطان بل عليه أن يقول آه لأنه ورد أنه من أسماءه تعالى، فعن
عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه" أي
المريض "يئن، فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يستريح إليه العليل".
وقد نقل أئمة الدين وعلماء المسلمين ومن أعظمهم الإمام مالك أن الملائكة تكتب كل
شيء حتى الأنين في المرض متمسكين بقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا
لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فلفظة "قول" جاءت نكره في سياق النفي لذا
اقتضت العموم.
تعليقات