وَوَاجِبٌ إيمانُنَا بالموتِ


 
88- وَوَاجِبٌ إيمانُنَا بالموتِ *** ويَقْبِضُ الرُّوْحَ رَسُولُ الموتِ

وواجب إيماننا بالموت: أي يجب تصديقنا بعموم فناء الكل، خلافاً للدهرية في قولهم: "إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع". وذلك لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}. وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}. ويجب تصديقنا بأن الموت على الوجه المعهود شرعاً من فراغ الآجال المقدرة، خلافاً للحكماء في قولهم: "إنه بمجرد اختلال نظام الطبيعة" وذهب الأشعري في تعريفه للموت والحياة إلى أن تقابلهما من تقابل الأضداد وذهب الإسفراييني والزمخشري إلى أن الموت هو عدم الحياة
عما من شأنه أن يكون حياً.
- ويقبض الروح رسول الموت: أي يخرجها من مقرها الملك الموكل بالموت وهو عزرائيل عليه السلام، ومعناه عبد الجبار وهو ملك عظيم هائل المنظر، مفزع جداً وله أعوان بعدد من يموت، لكنه يترفق بالمؤمن ويأتيه في صورة حسنة، فقد ورد في حديث ابن مسعود وابن عباس: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: "يا ملك الموت: أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك، قال: بلى، قال: أعرض، فأعرض ثم نظر فإذا هو برجل أسود ينال رأسه السماء، يخرج من فيه لهب النار، فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى. فقال يا ملك الموت لو لم يلق الكافر من البلاء والحزن إلا صورتك هذه لكفاه، فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين؟ قال: أعرض، فأعرض، ثم التفت فإذا برجل شاب أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم ريحاً في ثياب بيض، فقال: يا ملك الموت، لو لم ير المؤمن عند الموت من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه".
والروح جوهر، وإلا لم تقبض. ومذهب أهل السنة من المتكلمين والمحدثين والفقهاء والصوفية أنها جسم لطيف مشتبك بالبدن كاشتباك الماء بالعود الأخضر، وبهذا جزم النووي. ومذهب جماعة من الصوفية والمعتزلة أنها ليست بجسم ولا عرض، بل هي جوهر مجرد متعلق بالبدن للتدبير غير داخل فيه ولا خارج عنه.‏
89- ومَيِّتٌ بِعُمْرِهِ مَنْ يُقْتَلُ *** وغيرُ هذا باطلٌ لا يُقْبَلُ

وميت بعمره من يقتل: أي كل ذي روح يفعل به ما يزهق روحه ميت بانقضاء عمره، وهو مذهب أهل الحق، فالأجل عندهم واحد، لا يقبل الزيادة ولا النقصان. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}. وقال تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}.
وقد دلت الأحاديث الشريفة على أن كل هالك يستوفي أجله من غير تقدم عليه ولا تأخر عنه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
وما ورد في بعض الأحاديث من أن صلة الرحم تزيد في العمر لا يرد هنا لأنه خبر آحاد، أو الزيادة فيه بحسب الخير والبركة. فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه".
وبالجملة فمختار أهل السنة أن كل مقتول ميت بانقضاء عمره، وحضور أجله في الوقت الذي علم الله حصول موته فيه أزلاً، بخلقه تعالى، من غير مدخلية للقاتل فيه، إلا الاكتساب، ولهذا وجب عليه القصاص من حيث أنه اكتسبه فقط.
وعند أهل السنة أنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت، أو لا يموت فيه. لأنه لا اطلاع لنا على ما في علم الله، وإنما هذا التجوز ذاتي على فرض عدم قتله، كما هو ظاهر وإلا فقد بان بقتله أن الله تعالى علم موته في ذلك الوقت، فلا يتخلف، فبعد أن قتل نقول: لو لم يقتل لمات قطعاً، لأنه لو لم يمت للزم التغير في أمر العلم وهو محال، وقد وافق على هذا السنة أبو الهذيل من المعتزلة.
- وغير هذا باطل لا يقبل: أي غير ما ذكر - من مذاهب المخالفين لأهل السنة - باطل وغير مطابق للواقع، ولا يقبل عند العقلاء المتمسكين بالحق ومنها مذهب الكعبي: وهو أن المقتول له أجلان، أجل بالقتل، وأجل بالموت. فلو لم يقتل لعاش إلى أجله بالموت، ودليله قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ}. قال: والعطف يقتضي المغايرة، وأهل السنة يقولون: المعنى لئن متم من غير سبب ظاهر، أو قتلتم بأن متم بسبب.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الواجب لله 20 صفة

المستحيل على الله

5/ صفة القيام بالنفس