تأييدهم بالمعجزات


 
68- بالمُعْجِزَاتِ أُيِّدُوا تَكَرّمَا *** وَعِصْمَةَ الْبَارِيِ لكُلٍّ حَتَّما

بالمعجزات أيّدوا: أي أيدهم الله تعالى بالمعجزات حيث أظهرها على أيديهم تصديقاً لهم في دعوى النبوة والرسالة، وفيما بلغوه عنه سبحانه، لأنها نازلة منزلة قوله تعالى: "صدق عبدي في كل ما يبلغ عني". ولا يشترط في ثبوت النبوة والرسالة عدد من المعجزات بل واحدة تكفي.
- تكرماً: أي كان تأيدهم بالمعجزات تفضلاً وإحساناً من غير إيجاب ولا وجوب، وفيه رد على من أوجب المعجزة كما أوجب الإرسال. والحق أنه تعالى لا يجب عليه شيء لأحد من خلقه.
والمعجزة: - لغة - مأخوذة من العجز ضد القدرة.
- وعرفاً: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي الذي هو دعوى الرسالة أو النبوة مع عدم المعارضة.
وقال السعد: هي أمر يظهر بخلاف العادة على يد مدعي النبوة عند تحدي المنكرين على وجه يعجز المنكرين عن الإتيان بمثله، فحقيقة الإعجاز إثبات العجز. قال الشيخ أبو الحسن: هي فعل من الله تعالى، أو قائمة مقام الفعل يقصد بمثله التصديق.
ومعنى التحدي: طلب المعارضة فيما جعله شاهداً لدعوته، وتعجيز المنكرين عن الإتيان بمثل ما أبداه، وبالتحدي يحصل ربط الدعوى بالمعجزة، والمراد بعدم المعارضة ألا يظهر مثله ممن ليس بنبي وأما من نبي آخر فلا امتناع. والمراد بخوارق العادات أمور ممكنة في نفسها ممتنعة في العادة بمعنى أنها لم تجر العادة بوقوعها، كانقلاب العصا حية، فإمكانها ضروري، وإبداعها ليس أبعد من إبداع خلق الأرض والسماء وما بينهما. ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسالة أنها - عند التحقيق - بمنزلة صريح التصديق لما جرت العادة به من أن الله تعالى يخلق عقبها العلم الضروري بصدقه. كما إذا قام رجل في مجلس ملك بحضور جماعة، وادعى أنه رسول هذا الملك إليهم، فطالبوه بالحجة فقال: هي أن يخالف هذا الملك عادته، ويقوم عن سريره ثلاث مرات ويقعد. ففعل، فإنه يكون تصديقاً له، ومفيداً للعلم الضروري بصدقه من غير ارتياب. واعتبر المحققون في المعجزة سبعة قيود.
الأول: أن تكون قولاً - كالقرآن - أو فعلاً - كنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ـ، أو تركاً - كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام - فأما الصفة القديمة - كما إذا قال: آية صدقي أن الله متصف بالقدرة - فليست بمعجزة.
الثاني: أن تكون خارقة للعادة، والعادة ما درج عليه الناس واستمروا مرة بعد أخرى، فغير الخارق ليس بمعجزة، كما إذا قال: آية صدقي طلوع الشمس من المشرق وغروبها من حيث تغرب.
الثالث: أن تكون على يد مدعي النبوة أو الرسالة، فتخرج الكرامة، والمعونة، والاستدراج، والإهانة من حد المعجزة. فأما الكرامة فهي ما يظهره الله تعالى على يد عبد ظاهر الصلاح. وأما المعونة فهي ما يظهره الله تعالى على يد العوام تخليصاً لهم من شدة، وأما الاستدراج فهو ما يظهر على يد فاسق خديعة ومكراً به، وأما الإهانة فهي ما يظهر على يد الفاسق تكذيباً له، كما وقع لمسيلمة الكذّاب، فإنه تفل في عين أعور لتبرأ فعميت الصحيحة، وتفل في بئر لتعذب مياهه فغارت.
الرابع: أن تكون مقرونة بدعوى النبوة أو الرسالة حقيقة، أو حكماً بأن تأخرت بزمن يسير. ويخرج الإرهاص، وهو ما كان قبل النبوة والرسالة تأسيساً لها، كإظلال الغمام له صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، أو كظهور النور في جبين أبيه عبد الله.
فقد نقل السهيلي وابن سعد في طبقاته والنويري أن أخت ورقة بن نوفل - واسمها رقية - قالت لعبد الله أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ما افتدي من الذبح بمائة من الإبل نحرت: لك مثل الإبل التي نحرت عنك اليوم إن قبلت أن أهب لك نفسي الساعة، وبعد أن تزوج آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم انصرفت عنه رقية وزهدت فيه، فسألها يوماً: مالك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس؟! فأجابت: فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة.
وذكر ابن الأثير أن فاطمة بنت مر - وكانت كاهنة من خثعم قرأت الكتب، ومن أجمل النساء وأعفهن - دعت عبد الله يوماً إلى نكاحها، فنظر إليها وقال، أما الحرام فالممات دونه، والحل لا حل فأستبينه، فكيف بالأمر الذي تبغينه. ثم بعد زواجه بآمنة بنت وهب أعرضت عنه فاطمة وقالت: قد كان ذلك مرة فاليوم لا، وإني والله ما أنا بصاحبة ريبة، ولكني رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون لي، فأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد، فما صنعت بعدي؟ فقال لها: زوجني أبي آمنة بنت وهب فأنشدت:
لله ما زهرية سلبت *** منك الذي استلبت وما تدري

وقيل كذلك: أن ليلى العدوية عرضت نفسها عليه ثم أعرضت وقالت: مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء، فدعوتك فأبيت عليّ ودخلت على آمنة فذهبت بها.
الخامس: أن تكون موافقة للدعوى. وخرج المخالف لها، كما إذا قال: آية صدقي انفلاق البحر، فانفلق الجبل.
السادس: أن لا تكون مكذبة له، فخرجت المكذبة، كما إذا قال: آية صدقي نطق هذا الجماد، فنطق بأنه مفتر كذاب، أما لو قال: آية صدقي نطق هذا الإنسان الميت وإحياؤه فأحيي، ونطق بأنه مفتر كذاب فلا يعتبر، والفرق بينهما أن الجماد لا اختيار له فاعتبر تكذيبه لأنه أمر إلهي، والإنسان مختار فلا يعتبر تكذيبه إذ أنه قد يختار الكفر على الإيمان.
السابع: أن تتعذر معارضته. فخرج السحر، ومنه الشعبذة وهي خفة في اليد، يرى أن لها حقيقة ولا حقيقة لها، كما يقع للحواة. وللسحر ليس من الخوارق، لأنه معتاد عند تعاطي أسبابه.
ثامناً: قد زاد بعضهم هذا الشرط، وهو أن لا تكون في زمن نقض العادة، كزمن طلوع الشمس من مغربها. وخرج أيضاً ما يقع من الدجال، كأمره للسماء فتمطر، وللأرض فتنبت.
- وعصمة الباري لكلٍ حتما: لما كان الجمهور على وجوب عصمتهم عليهم الصلاة والسلام مما ينافي مقتضى المعجزة، إذ أنها تقتضي الصدق في دعوى النبوة، وما يتعلق بها من التبليغ وشرعية الأحكام، قال: حتم أيها المكلف عصمة الباري لهم، أي اعتقد أن عصمة الباري لكل واحد من الأنبياء والملائكة واجبة، فلا تنفك، ولا تقبل الانتفاء بحال. وإنما تعرض للعصمة - هنا - رغم سبق بحثها لإدخال الملائكة في حكمها والاتصاف بها مع الأنبياء.
والعصمة لغة: مطلق الحفظ، واصطلاحاً: حفظ الله تعالى للمكلف من الذنب مع استحالة وقوعه، وبهذا المعنى لا يجوز أن نسألها، أما إن أريد معناها اللغوي فجائز. وما جاء عن هاروت وماروت فمن أكاذيب اليهود وافتراءاتهم، ولم يصح فيه شيء من الأخبار، وقد قيل إنهما كانا صالحين وسميا ملكين تشبيهاً.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الواجب لله 20 صفة

المستحيل على الله

تعلقات القدرة