الذنوب الصغيرة والكبيرة





124- ثم الذُّنُوبُ عندَنَا قِسْمَانِ *** صغيرةٌ كبيرةٌ فالثاني

ثم الذنوب: عند جمهور أهل السنة قسمان، صغائر وكبائر. خلافاً للمرجئة حيث جعلوها كلها صغائر ولا تضر مرتكبها ما دام على الإسلام، وخلافاً للخوارج حيث ذهبوا إلى أنها كلها كبائر وكل كبيرة كفر. وخلافاً لمن ذهب إلى أنها كلها كبائر نظراً لعظمة من عصي بها، ولكن لا يكفر مرتكبها إلا بما هو كفر منها، كسجود لصنم، أو رمي بمصحف في قاذورة أو قول
عن الجور بأنه عدل. وليست الكبائر منحصرة في عدد وهي كل ذنب كبر كبراً يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة. ولها أمارات، منها إيجاب الحد، والإيعاد عليها بالعقاب، ووصف فاعلها بالفسق، واللعن، وأكبرها الشرك بالله تعالى. ثم قتل النفس المحرم قتلها. وأما الزنا واللواطة وعقوق الوالدين والسحر والقذف والفرار من الزحف وأكل الربا فمن الكبائر، إلا أنه مختلف أمرها باختلاف الأحوال والمفاسد المتربة عليه، فيقال لكل منها هي من أكبر الكبائر. وكذلك الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال الشيخ الجويني: إن من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفر كفراً يخرجه من الملة، وتبعه على ذلك طائفة. وكل ما خرج عن حد الكبيرة وضابطها فهو صغيرة. والإصرار هو معاودة الذنب مع نية العودة إليه عند الفعل، فإن عاوده من غير نية العود لم يكن إصراراً على الأصح، والتهاون هو الاستخفاف وعدم المبالاة والفرح والافتخار بها،وصدورها من عالم يقتدى به فيها.‏
- منه المتابُ واجبٌ في الحالِ *** ولا انتقاضٌ إنْ يعدْ للحالِ
 منه المتاب واجب: أي الكبائر واجب على مرتكبها أن يتوب منها فوراً حال تلبسه بها فتأخيرها ذنب واحد ولو تراخى. نعم يتفاوت باعتبار طول الزمان وقصره خلافاً للمعتزلة القائلين بتعدد الذنب بتعدد الزمان، حتى لو أخرها لحظة بعد لحظة، فالذنب بأربعة ذنوب. الذنب الأول، وتأخير توبته في اللحظة الأولى، وتأخير التوبة من هذين في الثانية. وعبارة النووي: واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة. والتوبة - لغة - مطلق الرجوع، وشرعاً ما استجمع أركاناً ثلاثة: الإقلاع من الذنب، والندم على فعلها خوفاً من الله تعالى، والعزم على أن لا يعود إلى مثلها أبداً، فلا تصح توبة من لم يعزم. هذا إن لم تتعلق المعصية بالآدمي، فإن تعلقت به فلها شرط رابع، وهو: رد الظلامة إلى صاحبها، أو تحصيل البراءة منه، تفصيلاً - عندنا معاشر الشافعية - أو إجمالاً - عند المالكية - وفيه فسحة. فإن لم يقدر - بأن كان مستغرق الذمم - فالمطلوب منه الإخلاص وكثرة التضرع إلى الله تعالى. لعله يرضي عنه خصماءه يوم القيامة. وثمة شروط لصحة التوبة تتعلق بالوقت، منها صدورها قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها. ولا فرق عند الأشاعرة بين الكافر والمؤمن العاصي وعند الماتريدية تصح من المؤمن العاصي فحسب. ووجوب التوبة عيني "أي يجب على كل مكلف"، ودليله سمعي فقد وردت آيات كريمة كثيرة وأحاديث شريفة تحض على التوبة وتأمر بها.
- ولا انتقاض: أي لا تنقض التوبة الشرعية إن عاد التائب للحال التي كان عليها من التلبس بالذنب، فلا يعود ذنبه الذي تاب منه بعوده إلى مثله، خلافاً للمعتزلة حيث قالوا: بانتقاض التوبة بعوده للذنب، لأن من شروطها - عندهم- ألا يعاود الذنب بعد التوبة. وعند الصوفية: معاودة الذنب بعد التوبة أقبح من سبعين ذنباً بلا توبة.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الواجب لله 20 صفة

المستحيل على الله

5/ صفة القيام بالنفس