تكفير الصغائر باجتناب الكبائر

102- وَباجْتِنَابٍ لِلْكبَائرْ تُغْفَرُ *** صَغَائِرٌ وَجَا الوُضُو يُكَفِّرُ

وباجتناب للكبائر: الكبائر هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة بها، والمراد أن باجتناب الكبائر تكفر الذنوب الصغائر، سواء اجتنبها فلم يقترفها أصلاً، أو تاب منها بعد فعلها، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}. والسيئات هي الصغائر. قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، ثم قيل له: ادخل بسلام". قال أبو هريرة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والذي نفسي بيده، ثلاث مرات، ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى، وكان أحب ألينا من حمر النعم، فقال: الحديث السالف". والسبع ليست بقيد بل غيرها من الكبائر مثلها. والمراد بها الموبقات السبع. عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات". وفي حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر". ولكن ذهب أئمة الكلام إلى أن ترتب التفكير على الاجتناب غير قطعي، وهو الحق، بخلاف من قال بأنه قطعي، كالمعتزلة وجماعة من الفقهاء والمحدثين. وغفران الذنب هو عدم المؤاخذة به إما بستره عن أعين الملائكة مع بقائه في الصحيفة، وإما بمحوه. وحكى بعضهم: أن الستر هو الصحيح عند المحققين.
- وجا الوضو يكفر: وقد جاء في السنة أن الوضوء يكفر الذنوب. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط". وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه، حتى تخرج من تحت أظفاره". وفي الحديث أيضاً، عن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه". يعني لا يحدث نفسه بسوء، والتكفير غير متوقف على الصلاة لأن ذكرها - هنا - إنما هو للترغيب في سنة الوضوء ليزيد ثوابه، فعن عثمان رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".
والحاصل أن التكفير غير مقصور على اجتناب الكبائر بل يحصل بالوضوء والصلوات والصوم والحج المبرور. والذنوب كالأمراض، والطاعات كالأدوية، فلكل ذنب طاعة تكفره، كما أن لكل داء دواء ينجع فيه، كما يدل له حديث: "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صوم ولا صلاة ولا جهاد وإنما يكفرها السعي على العيال". فلا يرد أنه إذا كفر الوضوء الصغائر فلا يبقى للصيام وغيره ما يكفر. هذا في الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى. أما ما يتعلق بحقوق الآدميين فلا بد فيها من المقاصة بأن يؤخذ من حسنات الظالم فتعطى للمظلوم. لكن ورد عن أنس بن مالك مرفوعاً: "من تلا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مائة ألف مرة، فقد اشترى نفسه من الله، ونادى مناد من قبل الله تعالى في سماواته، في أرضه: ألا إن فلانا عتيق الله، فمن له قبله تبعة فليأخذها من الله عز وجل". فهذه هي العتاقة الكبرى إذ تشمل الكبائر أيضاً. ومن جملة المكفرات الغزو، فقد ورد "أن الغزو في البر يكفرها إلا التبعات، وفي البحر يكفرها حتى التبعات". فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين"، وعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله: نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك". وعن عمران بن حصين قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غزا في سبيل الله غزوة في البحر - والله أعلم بمن يغزو في سبيله- فقد أدى إلى الله طاعته كلها، وطلب الجنة كل مطلب، وهرب من النار كل مهرب".‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الواجب لله 20 صفة

المستحيل على الله

5/ صفة القيام بالنفس