السعادة والشقاء مقدرتان
47- فوزُ السَّعيْدِ عنْدَهُ في الأزَلِ *** كَذا الشَّقِي ثُمّ لمْ يَنَتِقلِ
فوز السعيد عنده في الأزل: أي السعادة والشقاوة مقدرتان أزلاً، لا يتغيران ولا يتبدلان. لأن السعادة هي الموت على الإيمان، باعتبار تعلق علم الله تعالى أزلاً بذلك، والشقاوة هي الموت على الكفر بذلك الاعتبار. فالخاتمة تدل على السابقة. فإن من ختم له بالإيمان دل على أنه كان من السعداء في الأزل، وإن تقدم ذلك كفر. وإن ختم له بالكفر - والعياذ بالله تعالى - دل على أنه كان من الأشقياء في الأزل، وإن تقدم ذلك إيمان، كما يدل لذلك حديث الصحيحين، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال حدثنا الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". فظفر السعيد بحسن الخاتمة عنده تعالى في الأزل، والمراد من العندية العلم، ومن الأزل: عدم الأولية.
- كذا الشقي: أي شقاؤه عنده في الأزل مثل فوز السعيد، فليس كلٌ من فوز السعيد وشقاء الشقي - باعتبار الوصف القائم به في الحال - من الإيمان في السعيد، والكفر في الشقي، بل باعتبار ما سبق أزلاً في علمه تعالى.
- ثم لم ينتقل: أي كلٌ من السعيد والشقي لم يتحول عما ختم له به، وإلا لزم انقلاب العلم جهلاً. وعلى هذا يصح قولك: "أنا مؤمن إن شاء الله تعالى" نظراً للمآل، وأما عند الماتريدية فلا يصح، نظراً للحال، إذ السعيد عندهم: هو المسلم باعتبار الآن، والشقي: هو الكافر بالاعتبار نفسه. أما لو قالها شاك فلا يجوز بالإجماع. لأن الشك في إيمان نفسه كفر. أما لو قالها وهو مريد للتبرك بذكر اسم الله تعالى فإنه جائز بالإجماع. والحاصل أن الشك على قسمين: إما أن يتردد في أنه هل يستمر على الإيمان أو يقطعه؟ فهذا هو الشك الممنوع، وإما أن يتردد الآن في أنه هل يكون مؤمناً عند الموت أو لا؟ فهذا غير ممنوع، لأن الخاتمة مجهولة، على أن الماتريدية لا يجوزون الارتداد على من علم الله موته على الإسلام، ولا الإسلام على من علم الله موته على الكفر. والخلاصة: أن العامة تخاف من الخاتمة، وأما خوف الخاصة فمن السابقة، وهو أشد، وإن تلازما. فيكون الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية لفظياً، فيتناول أن السعادة عند الأشاعرة هي الموت على الإيمان، فهي مستقبلة، لذلك صح تعليقها، وعند الماتريدية هي الإيمان الحالي، أي الحاصل بالفعل لذلك لا يعلق.
تعليقات