شرح البسملة

بسم الله الرحمن الرحيم

وابتدأ المؤلف بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر". أي ناقص وقليل البركة، فهو وإن تم حِسّاً فلا يتم معنى، والأمر ذو البال هو ما يهتم به شرعاً شريطة ألا يكون من سفاسف الأمور (كلبس النعل والبصاق وهلم جرا) وألا يكون محرماً لذاته (كالسرقة والزنا) ولا مكروهاً لذاته، ولا ذكراً محضاً (كالهيللة والحمدلة والحوقلة) ولا مما جعل له الشارع مبدأ غير البسملة (كالصلاة فإن مفتاحها التكبير) فتحرم التسمية في المحرم لذاته وتكره في المكروه، ولا تسن في السفاسف ولا في الذكر المحض أما غير المحض (كتلاوة القرآن الكريم) فتسن، لاشتمال القرآن على التشريع الناظم لشؤون الحياة في كافة ميادينها، وغيره، وأما غير المحرم لذاته (كالوضوء بماء مغصوب) فلا تحرم، وغير المكروه لذاته (كأكل البصل) فلا تكره.

- واعلم أن الابتداء على ضربين: حقيقي: وهو الابتداء بالشيء أمام المقصود بحيث لا يتقدم على ذلك الشيء شيء ما، وإضافي: وهو الابتداء بالشيء أمام المقصود سواء تقدم على ذلك الشيء شيء آخر غير المقصود أم لم يتقدم، فحملت البسملة على الابتداء الحقيقي كما حملت الحمدلة في حديثه صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر" على الإضافي، لذا قال الناظم بعد أن سمى: "الحمد لله على صلاته" واستند في حمله هذا على القرآن الكريم، لأنه ابتدأ ابتداءً حقيقياً بالبسملة وإضافياً بالحمدلة.
- ولما كانت الباء من حروف المعاني اختلف العلماء في تحديد معناها، فقيل هي للمصاحبة على وجه التبرك، ولا يسوغ جعلها للاستعانة، لأن الاستعانة إنما تكون بذات الله سبحانه وليس بأسمائه، ولأن باء الاستعانة إنما تدخل على الآلة كما في "كتبت بالقلم" فيكون اسم الله مقصوداً لغيره، وفيه سوء أدب * وقيل: هي للاستعانة على وجه التبرك، ورد القائلون بهذا على ما ورد: بأنه لا مانع من الاستعانة بالأسماء كما يستعان بالذات، كيف وقد ورد في الحديث الشريف "وإذا استعنت فاستعن بالله".
وأن معنى الاستعانة باسمه تعالى أن الأمر المشروع فيه لا يتم على وجهه الأكمل، إلا باسمه تعالى * والاسم هو ما دل على مسمى، فإن أريد به مدلوله كان عين مسماه، وهو مشتق إما من السمو، لعلوه على مسماه، أو من السمة لكونه علامة على مسماه * والله: علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، وهو علم لا بالغلبة، واختار الجمهور أنه اسم الله الأعظم، وإنما تخلفت الإجابة عند الدعاء به من بعض الناس لتخلف شروط الإجابة التي من أجلها أكل الحلال، واختار النووي أنه الحي القيوم.
- الرحمن الرحيم: صفتان مشبهتان اشتقتا من الرحمة، لا بمعناها الأصلي الذي هو: رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان، لاستحالة ذلك في حقه سبحانه، وإنما بمعنى الإحسان أو إرادته، فهما بمعنى المحسن أو مريد الإحسان، لكن "الرحمن" بمعنى المحسن بجلائل النعم، "والرحيم" بمعنى المحسن بدقائقها، وإنما جمع بينهما إشارة إلى أنه لا ينبغي أن تطلب النعم إلا منه تعالى، سواء كانت بسيطة أو عظيمة، فكلاهما منه وحده. ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الله كل شيء حتى شراك النعل.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الواجب لله 20 صفة

المستحيل على الله

5/ صفة القيام بالنفس